أهمية إدراك الحقائق
القرآن الكريم يغرس في حس المسلم ضرورة مواجهة الحقائق بشجاعة وثبات ، فذاك جزء من الواقعية التي لا يليق بالمسلم أن يحيد أو ينحرف عنها وهو يسير حثيثا في مواجهة صروف الحياة وتقلباتها.
ليس سهلاً أن ترى بوضوح.. الرؤية الواضحة تجرح البصر… هل حاولت التحديق في الضوء مباشرة؟ …على الرغم من ذلك هو خيار يختاره المؤمن على الرغم من كل الألم…يريد أن يرى الصورة كما هي بالضبط من دون رتوش تعدل من خدوشها،من دون أصباغ ومواد تجميل.
مهما كانت مرارة الحقيقة تبقى حقيقة…ومهما بلغت حلاوة الخداع يبقى خداعاً.
ولأنَّ طعمَ الحقيقة مُرٌّ مرارة ناجعة…فإن الإنسانَ قد يصرف التفكير عنها وقد يتجاهلها، لكن ذلك لا يغير من طبيعتها وهو قد يؤجِّل مواجهتها، لكنه لا يستطيع إلغاءها أو التخفيف من وطأتها.
وفي هذا، يقول سبحانه((قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ۖ)) الفتح آية( 16)
فانظر إلى غاية الوضوح لمواجهة الحقيقة وهو يخاطب الذين تخلَّفوا عن الحديبية أنهم سيخرجون للقتال في مواجهة شديدة لملاقاة أقوام أشداء، وهم بنو حنيفة.
لماذا يخبرهم القرآن بذلك ؟…الجواب : حتى لا تتكون لديهم رؤية عمشاء للمعركة المقبلة،وينطلقون برؤية ضبابية مريحة للعقل، تجعلهم يسترخون ويظنون أن ما يطمعون فيه من الغنائم، قريب المأخذ، رخيص الثمن.
ومثالٌ آخر أكثر وضوحا من ذلك….
حين يبين الله تعالى لعباده المؤمنين الذين دخلوا في دينه، وتحملوا أعباء الرسالة ، يواجههم بحقيقة مُرَّة من دون مواربة.. وهي أنَّ الابتلاء للمؤمنين سنة ماضية لتتمايز الصفوف وتظهر الحقيقة على السطح ليتبين الصادقون من الكاذبين..( حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
هذه كلُّه يجعل المسلمون يتهيأون إلى ما سيلاقونه من المصائب والمحن فيوطِّنوا أنفسهم له …يقول سبحانه ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3))سورة العنكبوت
أيضا …فلقد كان من عادته صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها وذلك حفاظا على سرية الحركة وتعمية العدو.
لكنْ في غزوة تبوك كان الأمر مختلفا تماما فالطريق وعرة وطويلة ،الحر شديد، والعدو جموع هائلة من الرومان، ولذلك أخبر الناس وأعلمهم ما هم قادمون عليه من المشقات الكبيرة، حتى يأخذوا أهبتهم ولا يقعوا في الصدمة فيحدث التلاوم، والندامة ،وذهاب الريح.
إن مواجهة الحقائق بوضوح وشجاعة أصبح اليوم أحد أمارات التصحيح والسير إلى الأمام…كما أنَّ تجاهلها وطمسها صار أمارةً على النكوص وتأجيل الانفجار الذي يتراكم مع سير الأيام وهي محملة بالمشاكل وهذا طريق التخلف والبوار.
دأسامة الصَّلابي