خواطر عن الصداقة

كان الأصمعي يستحسن قول أبي العتاهية :
أَنتَ ما اِستَغنَيتَ عَن صا… حِبِكَ الدَهرَ أَخوهُ
فَإِذا اِحتَجتَ إِلَيهِ…ساعَةً مَجَّكَ فوهُ
(معنى مَجَّكَ :لفَظك..رماك ..ألقاك)

الذي يظهر ــــــ والعلم عند الله ـــــ أن أبا العتاهية حدث له موقفٌ مع صاحبٍ له في حياته فأثّر فيه …. لكنَّ التعميم بمثل هذا الأقوال والأشعار ليس محمودا، ولاتؤخذ هذه الأقوال على إطلاقها كقاعدة عامة في الصداقات…فتجد كلَّ من حدث له موقف من صديقٍ شعر بالخيبة واستدعى كل ما قيل في خذلان الصديق ونكران الجميل وموت الوفاء..لا لا ..الأمر ليس بهذه السهولة لتأخذ دور الضحية …ربما تكون أنت المُلام حين حمّلت صديقك فوق طاقته …حين أدمنت الشكوى والنواح والطلبات و و و ؛ فلا أحد يسعه أن يصمد إلى أجل غير مسمى لما تحكيه من أخبار آلامك وويلاتك بطريقة مرضية وطلباتك التي لا تنتهي .. دعْ شكواك لربك…واستمتع بأوقاتك مع الآخرين وكن معتدلا في علاقتك..
أو قد يكون السبب أنَّك تعاني من مشكلة تفسير المواقف بطريقة غير سديدة وتتصلَّب في إيمانك بقناعتك لدرجة الغرور..وبذلك وضعت ذاك الصديق في قائمة الخذلان.
الصداقة كالبذرة توضع في الأرض، فإن صادفت تربتها الصالحة، وغذِّيت الغذاء الصالح، وتعهَّدها صاحبها بما يناسبها ، كبرت ونمت وصارت شجرة يانعة، وإلا ماتت في مهدها أو في أثناء نموها.
فالناس يختلفون في الاستعداد لدرجات الصداقة، وذلك بمقدار استعدادهم للتعاطف، فمن حُرم التعاطف حرم الصداقة .
وأبعدُ الناس عن تذوق الصداقة المتشائمون الذين لا يرون في الوجود ما يستحق التقدير، ولا في الناس من يستحق الإعجاب، فهؤلاء لا يرون صديقًا يبادلونه حبًّا بحب، ولكن يريدون سمِّيعًا يسمع شكواهم ووصف آلامهم، وسبَّهم للدنيا وما فيها.

**يا صديقي…هوِّن على نفسك والأمور تحتاج إلى ميزان الإنصاف بلا وكس ولا شطط، والبعد عن الحساسية المفرطة (الزعل) ، فالدنيا لازالت بخير ولن تعدم صديقا مخلصا وفياً وإن كانوا قليلا أو أقلَّ من القليلِ.
الصداقة نعمة من أكبر نعم الحياة، ومن رُزق صديقًا وفيًّا فقد رُزق كنزًا ثمينًا …فهو خير من الأخ الشقيق؛ إذ لا قيمة للأخ إلا إِنْ كانَ صديقًا، هو نور في الظلماء، وعدة في البأساء، وأنس من وحشة، وفرجة في كربة.
بالنسبةلي..الحمد لله..أصدقائي قلائِل، لكنَّهم أصدقاء…‏يمكنني السقوط عليهم في أي لحظة ، دون أن أرتطم بالأرض.

د.أسامة الصَّلابي