“أنا مشغول …بماذا؟”
لا يكفي شعورك بأنّك مشغول فقط..فقد تكون مشغولا بالفراغ والجعجعة والهَذَر الذي تردِّده وتكرِّره ..والمعارك الهوائية التي تَفرُغ من واحدة منها لتنهمك بأخرى…وتنتظر أيَّ أزمة حتى تبليَ فيها بلاءً حسناً.
هذه هي ” البطالة المُقنَّعة”حين تشعر أنَّك مشغول ولا وقت لديك لتحُكَّ رأسَك..بينما لم تجد وقتًا لتُفَكِّر في شغلك : أحقيقةٌ هو أم وهمٌ؟جِدٌّ أم هَزْلٌ؟ هل يستحق هذا الوقت وهذا الجهد؟
إذا تكرَّرت الأيام وهي متشابهة..لا حياة فيها ولا تجديد ..ملَّها الإنسان.. وضجر بها ومنها ..وقديما كان الشيوخ يُعلنون ذلك :
قالوا أنِينُكَ طولَ الليلِ يُقْلقنا….فما الذي تشتكي قلتُ الثمانينا.
ويقول زهير بن أبي سلمى:
سئمتُ تكاليفَ الحياةِ وَمَنَ يَعِشْ…ثمانينَ حَولاً لا أبا لَكَ يَسأَمِ.
يجب أن يكون للإنسان هدفٌ يسعى إليه… فمن دون هدف تضيع الحياة وتفقد وهجها ،ولا يدري المرء :أمتحركٌ هو أم واقفٌ؟..مفيدٌ أم غير مفيدٌ؟
صحيح أن مفردات الحياة اليومية غير قابلة للانضباط في غالب الأحوال…وقد تتزاحم الاشغال حينًا حتى تُحدث التوتر ..وأحيانا تقِلُّ حتى يضيق المرء بالوقت .
وقليل جدا من يستطيع أن ينظم وقته بدقة تامة وأن يحدد لكل ساعة عملها ولكل عمل بدء ونهاية وهذا يمكن أن نسميه ب”بالساعة” …لكن المهم هو البرنامج العام في حياتك بمعنى أدق “البوصلة”التي هدفها الوصول إلى المقصد… وإن لم ينضبط الوقت…بوصلة العمر.
فأين تتجه بك بوصلتك؟ أم أنك لا تملك البوصلة؟ …وهنا الخطورة .
يقول سبحانه : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا (..هذا هو مفتاح الشر كله . . أن يزين الشيطان للإنسان سوء عمله فيراه حسناً . أن يعجب بنفسه وبكل ما يصدر عنها . ألا يفتش في عمله ليرى مواضع الخطأ والنقص فيه.. ولا يتفقد بوصلة حياته أين تتجه ؟هذا هو البلاء الذي يصبه الشيطان على إنسان.
وقال تعالى(زَيَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُمۡ يَعۡمَهُونَ) تصبح أعمالهم وشهواتهم مزينة لهم حسنة عندهم … فهم يعمهون لا يرون ما فيها و حائرون لا يهتدون فيها إلى صواب.
فالمهم في بوصلة حياتك هو البرنامج العام الذي يحكم وقتك ويُسَيِّرُ حياتك للحصول على قدر من التوازن بين الشغل الدائب والاسترخاء وبين الإنجاز والاستراحة .
وانظر ما فُتِحَ لك من بابِ فالزمه ” فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ”
د.أسامة الصلابي