قبل أن تغرق السفينة
سوءُ أحوال الواقع كثيرا ما تجعل شعبا أو فردا يتعصب لماضيه. فأمجاد الآباء والأجداد والعراقة والأصالة هي أنشودة العالم الثالث اليوم…وما أيقونة القبائل الشريفة والمجاهدة التي تُطِل علينا برأسها من حين لآخر عنَّا ببعيد.
والأدْهى من ذلك أن يصير هذا التعصب بما فيه من خير أو شر هو أيقونةَ الحاضر وصانعَ المستقبل وتقام مناحات الضغائن بين الناس على حدث في الزمن الغابر السحيق نحتاج إلى رجال البخاري لإثباته وتوثيقه ثم إعادة قراءته ،لأنَّ المجتمعات المتخلفة والبدائية لديها مبالغة في الاستدلال بالوقائع التاريخية التي تمزق الصفوف،و التاريخ يحتمل القراءات،لكن الجهل والعناد وحمية الجاهلية تشعل الحروب بين الناس على مستوى القبائل والمدن والمناطق وقد يؤدي(وقد أدَّى) إلى الاحتراب وسفك الدم الحرام…وكلٌّ يفتخر بقتله والإطاحة بخصمه .
بالله عليكم متىَ يتوقف تمجيد بطولات كان ضحاياها من الأهلِ والإخوةِ والقرابةِ وليسوا من الأعداء الحقيقيين
قال الشاعر البحتري في المصالحة مع بني تغلب :
وَفُرْسانِ هَيجاءٍ تَجِيشُ صُدُورُهَا*** بِأحْقَادِها حَتّى تَضِيقَ دُرُوعُهَا
تُقَتِّلُ مِنْ وِتْرٍ أعَزَّ نُفُوسِهَا*** عَلَيْها، بِأيْدٍ مَا تَكَادُ تُطِيعُهَا
إذا احتَرَبتْ يَوْماً، فَفَاضَتْ دِماؤها*** تَذَكّرَتِ القُرْبَى فَفَاضَتْ دُمُوعُها
يقول -بول كاغامي، رئيس راوندا عندما تولى الحكم عام 2000 وحقّق المعجزة:( لم نأتِ لأجل الانتقام فلدينا وطن نبنيه، وبينما نمسح دموعنا بيد، سنبني باليد الأخرى، وذلك ليس لأن من قتلوا يستحقون الغفران، لكن لأن الأجيال الجديدة تستحق أن تعيش بسلام”
د.أسامة الصلابي
