التغيرات البطيئة…لا نأبه لها

ما نظنه ثابتاً مستقراً، لا يكون أبداً كذلك ،إنما يحمل في داخله
جزئيات صغيرة من التفاعلات البطيئة التي تنتهي به إلى تغيير ملامحه على نحو جذري وكلي.
والعادة الجارية أننا لا نتمكن من رؤية تلك التغييرات الصغيرة ،لأنها لا تدخل في دائرة وعينا ولا مدركات عقولنا،ولاتستفزنا، فهي خارج نطاق الحسابات، وهذا هو منبع الخطورة فيها.
على العكس تماما ما يحدث لنا أمام التغيرات السريعة والكبيرة، فإنها توقظ فينا روح المقاومة والتحفز بطريقة ملحة ومستفزة ،ونعلن النفير العام في وعينا، مما يساعدنا على الاستعداد لمواجهتها والتعامل معها.
حين حدثت الردة بعد وفاة النبي ، استطاعت الأمة القضاء عليها في مهدها، باعتبارها أحدثت صدمة ،وتغييرا سريعا في وعي الأمة فواجهتا بصرامة واُقتلعتها من جذورها بالقوة الناعمة والخشنة معا.
وكأنَّ الوعي البشري لا يدرك الأشياء ويتفاعل معها إلا من خلال الهزات العنيفة التي تزلزل كيانه.
لكنَّ الانتكاسات البطيئة التي أبعدت الأمة عن مكانتها على كل المستويات عن النموذج الأصلي الذي كان عليه سلفها، ولم تنتبه لذلك، ولم تأبه بالتحذيرات التي كانت تصدر عن بعض أهل البصيرة فيها….أخذت هذه التغيرات البطئية تتراكم
إلى أن صرنا إلى ما نحن فيه! .
وهذا ما نحتاجه في أوضاعنا العامة، إذ يمكننا أن نحدد مجالاً ما، مثل الأخلاق أو الاقتصاد أو الاجتماع ، وننمي حاسة الإدراك لدينا لنشاهد التغيرات البطيئة ،ونقارن بين ملامح حقبتين قصيرتين لنقف على ما حدث فيهما من تغيرات إيجابية وسلبية .
أمَّا مقارنات واسعة جداً بين قرون متطاولة وأحوال وأوضاع متباينة ومتنوعة، فلا نعثر في النهاية على شيء ذي قيمة.
لو نظرنا في المرآة كل يوم، فلن نجد فرقاً في وجوهنا .. لكن إذا قارن الواحد منا بين صورتين له يفصل بينهما عشر من السنين، فإنه لا محالة سيرى فروقاً عدة .
بالمقارنة ينضج الوعي ونقف موقفا سليما في تنظيم رد الفعل حيال المتغيرات والأحداث..حسبنا المقاربة والمناهزة، إن قصرت وسائلنا عن الاستحواذ والإحاطة والحلول الحاسمة .

د.أسامةالصلابي