جوهر العلاقات بين الأصدقاء
قديما وليس قِدمًا موغلا بل قديما قريبا ،كانت علاقات الناس وصدقاتهم تلبي حاجة الشعور بالأُنس والجمعية، وتطرد شبح الغربة و الإنغلاق والإنكفاء على الذات،كانت اللقاءات مأمونةً لا ينقل فيها الكلام،ولاتُشكَّلُ فيها الانطباعات السلبية ،بل كان حُسن الظَّنِّ هو ميسم العلاقات،يغلب عليها أدبيات روحية إيمانيةموجه ومرشدة، (مَنْ زار أخاً له في الله) ،(طِبْتَ وطَابَ مَمْشَاكَ )..(وجبت محبتي للمتزاورين فيِّ وللمتحابين فيِّ) (أُحبُّك في الله)….إلى آخر ما هو معروف لدي كثير ممن عاشوا تلك الأيام الجميلة.
أمَّا اليوم فصارت الصداقات في غالبها ــــــ وأرجو أن أكون مخطئاً ـــــــ تُتَّخَذُ وسيلة للتسلق الاجتماعي، وأحيانا لتزجية الوقت وطرد السأم،وتارة لتبادل المصالح والنفوذ الاجتماعي .
بعد إن كانت الصداقات رصيدا مذخورا في الشدائد…اليوم أصبحت عبئا ثقيلا..وشكليةً(رسمية) وفقدت خاصية الدفء والإسعاد والشعور بالأمان.
لقد تراجعت بشكل كبير القيم النبيلة التي تأبى تقديم المنافع على المشاعر..مما أدَّى إلى هشاشة شبكة العلاقات الاجتماعية،والبعدِ هدايات الوحي،فغشّاها ما غشَّى من الذبول والضمور ،وفقدت زخمها الروحي التي كانت تشرق به روح الصداقة.
وهذا له أثر سلبي في قيمة تماسك المجتمع في أوقات الأزمات الطاحنة.
لقد كانت الصداقه تتمحور حول الإنجذاب وتبادل المحبة والتفاخر ببذل النفس والمال في سبيل مصلحة الصديق …ولكنها اليوم أصبحت شيئا آخر…مع تدهور القيم والأخلاق التي هي ماء الحياة ورواؤها…فهل من عودة.. أمَّ نتكيف مع الحال الجديد القاتم الموحش،ونعيش حياة باهتة قاسية..؟ ونحن الذين عشنا فترة من أعمارنا والأمل يحدونا أنْ نُنَادى من قِبلِ الله يوم القيامة كما جاء في الحديث الصحيح:(إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابُّون بجلالي؟ اليوم أُظِلُّهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي )..