شخصنة الأفكار
حين نمنح رأيا أو فكرة (ما ) القداسة والهالة حولها بسبب تقوى أصحابها أو بسبب دفاعهم عنها حتى الاستشهاد في سبيلها أو بسبب إنجازاتهم العظيمة في أي مجال من المجالات أو بسبب شهرتهم وتاريخ نضالهم …حين يحدث هذا فإن ذلك سيعني تحنيط الفكرة والتمسك بها من غير سبب موضوعي …فالشهرة والهالة والنضال لا تعني التفوق المطلق في كل شيء حتى يتترس أصحابها بها من كل نقد أو تصحيح أو مراجعة.
هذا التحنيط للأفكار والآراء يوسع شقة الخلاف ويؤسس للتناحر والصدام بين المتحررين فكريا وبين من يعظِّم الفكرة بسبب ما يراه من عظمة صاحبها.
وقُلْ مثل هذا في استبعاد الأفكار الجيدة ومحاربتها …لا لشيء إلا أنها صدرت من أشخاص لدينا أحكام مسبقة وآراء سلبيةتجاه أصحابها.
الخطورة تكمن في شخصنة الأفكار …فهو يخرجها عن سياقها الصحيح وتجعل التوافق عليها غير ممكن كما تجعل نقاشها خارجا عن السياق المنطقي وقواعد الحوار الصحيح ،وإرساء ثقافة التنوع في إطار الوحدة.
ولكي نخرج من هذه الحالة المرضية التي تؤثر على وعينا بطبيعة الاشياء…يجب أن تظل الأفكار والآراء متمتعه بقدر جيد من الاستقلال عن أصحابها…فقد ينتج الشخصُ الممتاز المُحاط بالهالة فكرةً سيئة أو مدمرة… وقد يصدر عن الشخص العادي بل و السيء رأيٌ حكيم ومفيد .
فالخلط بين الأشخاص والأفكار شيء مدمر ومهلك .
والقرآن الكريم يؤسس الفصلَ بين العواطف والأحكام المتعلقة بالأشخاص وبين الآراء والأفكار…وهذا نجده في قوله تعالى {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
أي لا يحملنَّكم بغضُكم لقوم على عدم العدل معهم وذلك بإصدار الأحكام الجائرة ضدهم، وبخسِهم أفكارهم وأشياءهم.
د.أسامة محمد الصَّلابي