مراعاة المشاعر

الابتسامات التي نوزِّعُها على من نعرف ،وعلى من نحب ،وعلى من نلاقيه هنا وهناك مِمَّن نعرف ومن لا نعرف، قد ننظر إليها على أنها أشياء ضئيلة أو تافهة،لكنَّها إذا ما نُثِرت على طول طريق الحياة فإن الارتياح والاغتباط الذي تصنعه قد يصعب تخيله .
لنحاول ألا نصدم أحدًا، ولا نسرق السرور من قلب أحد وألا نحطم الأمل في قلب بشر .
إنَّ الصوتَ الذي يرنُّ بالرقة واللطف للصغير والكبير يجلب للناس غبطة لا مثيل لها.
إنه من الصعب أن يبتسم المهموم أو المكتئب دون أن يطرأ تغيير فوري على حالته النفسية…ولذلك كان للابتسامة تأثير هائل على الحالة النفسية للإنسان على نحو لا يدركه كثير من الناس.
‏فقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم التبسم نوعا من المعروف و الإحسان ،فعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، قال: قال لي النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق ))رواه مسلم.
وعنه أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ» رواه الترمذي، وصححه الألباني.
أن من طبيعة السرور انه ينتقل بالعدوى…بل لا يتم إلا إذا جرى فيه التبادل ،حين نضحك معا لسماع طرفة أو حكمة أو خبر أو تذكر شيء جميل أو توقع شي محبوب…فإننا نغمر أنفسنا بمشاعر الأخوة والزمالة والمساواة ،و تزول الفوارق الثقافية والاجتماعية في لمحة بصر .
في الدعابة تظهر براءة الإنسان ويذهب عن التكلف والاحتشام المصطنع، وهي أمانٌ من الكبر ،وقد كان صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه ويضحك مما يضحكون ويعجب من الأمور التي يعجبون منها.
ما أجملَ أن ننشر الابتسامة في المجتمع المسلم، حتى تُخَفِّف كثيرًا من الآلام التي يعيشها الناس في حياتهم اليومية.
وليس بالضرورة أن يكون المرء خاليًا من الأزمات والمشاكل حتى يبتسم ،إذ كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يبتسم دومًا، رغم الأحزان التي كانت تلاحقه من آنٍ لآخر، وكانت البسمة إحدى صفاته التي تحلّى بها، حتى صارت عنوانًا له وعلامةً عليه، وكان لا يُفَرِّق في حُسْن لقائه وبشاشته بين الغنيّ والفقير، والأسود والأبيض، حتى الأطفال كان يبتسم في وجوههم ويُحسِن لقاءهم، يعرف ذلك كل من صاحبه وخالطه.
فعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم» رواه الترمذي
وقد بوَّب الإمام البخاري في (صحيحه): “باب: التبسم والضحك” وجمع أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وكذلك جمع الإمام مسلم في (صحيحه) أحاديث في التبسم، بوَّب لها الإمام النووي في كتاب (الفضائل): “باب: “تبسمه وحسن عشرته صلى الله عليه وسلم”.
وكل ذلك يدل على البشاشة والابتسامة التي كانت تلازم النبي صلى الله عليه وسلم. فلنحرص على إشاعة الابتسامة في المجتمع ،لأنها تغرس الألفة والمحبة بين الناس، بالإضافة إلى كونها سنة نبوية، ووسيلة دعوية، ومفتاحًا للقلوب، وكنزًا عظيمًا تنفق منه على أهلك وإخوانك وجيرانك، وكل من تقابله وتدعوه، وصدقة لا تكلفك دينارًا ولا درهمًا، وهي قبل كل ذلك لك صدقة، تذخرها عند الله سبحانه.
رزقكم الله ابتسامة لا تفارق محياكم.

د.أسامة الصَّلابي