بلا عنوان …
لا شك أن فقدان الحياة والخروج منها أمر مقلق ومخيف جدا..لاسيما في زمنِ تشبَّث الناس فيه بحب الحياة والتعلق بها… بل وصل بهم الحال إلى عبادتها (فَتَعِس عبد الدنيا).. ويوم تكثر النماذج المعلولة من عبيد الحياة ومدمنى الشهوات فإن العدوَّ يشق طريقه كالسكين في الزبد ، لا يلقى عائقا ولا عنتا.
لكنَّ هذه المشاعر تختلف تماما بالنسبة للمجاهد في سبيل الله ، فإنَّ تَرْكَ الدنيا بالنسبة إليه هو بداية تكريم إلهى مرموقُ الجلال شهيُ المنال ، يسعى إليه بكل ما أوتي من قوة وتضحية .
إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أقسم بربِّه أنه يرجو هذا المصير المبارك حين (والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لودِدتُ أن أغزوَ في سبيلِ اللَّهِ فأُقتَلَ ثمَّ أغزوَ فأقتَلَ ثمَّ أغزوَ فأقتَلَ ).
فأى إغراء بالاستماتة في إعلاء كلمة الله ونصرةِ الدين أعظم من هذا الإغراء؟
لقد كان نداءُ نصرةِ الحق والشهادةِ في سبيله نداءً مقدساً يجتذب الشباب والشيب ، ويغري الناس ويستهوي الجماهير من كل لون ، فإذا بجحافل المجاهدين سيولا جرارة لا آخر لها من أولى العزم والحزم والفداء والنجدة ، فما تضع الحرب أوزارها إلا بعد أن تكويَ أعداءَ الله ، وتلقنهم درسا لا ينسى .
هذه خصائص الأمة المسلمة وهذه ذاكرتها، التي ستظل محفورة في عقلها الباطن ، حتى تأتيَ أحداث ضخمة تستنهض هِمتها وتثير عزمها ، وينكشف لها عدوها،وسيجد كثير من الذين يحاولون إمساك العصا من المنتصف؛ أنّ التوازن لن يستقيم بغير مصادمة الباطل؛ ولن تجد جموع الأمة بُدّاً من الانحياز التام الواضح لمعركة المصير الفاصلة.
فجاء الطوفان ليزيل عنها الغبار لتنطلق الأمة إلى الغد الموعود والمجد المنشود.(ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا)
